الأناشيد الوطنية صوت وذاكرة الشعوب (1)
النشيد المصري .. موسيقى ثم سلاح ثم سلام..!!
تقرير – وائل بلال
لكل أمّة ما يميّزها من موروثات الأخلاق واللهجات.. ولكل دولة شعاران معروفان: العَلم و(النشيد الوطني).. والأخير ما نحن بصدده في سياحة نرصد خلالها – في حلقات – الأناشيد الوطنيّة لبعض الدول.. في مختلف القارات.. نبحث في نشأة النشيد – أو الأناشيد في بعض الأحيان – من قام بالتأليف ومن لحن العمل.. وملابسات الاختيار ودواعيه.. فمعاً ندلف إلى هذه السياحة التاريخيّة الأدبيّة التوثيقيّة.. ونبدأ في أولى الحلقات بجارة الوادي:
مصر (أم الدنيا) كما يحلو لبنيها أن يؤكدوا.. حتى أنهم فعلوا ذلك في أحد مقاطع نشيدهم الوطني الأخير المعتمد حتى الآن.. (مصر يا أمّ البلاد).. مع العلم أن النص الأصلي يقرأ يا (ست البلاد) عندما كان نشيداً شعبياَ، ثم تمّ التعديل بعد جعله وطنياً عقب انتهاء حرب أكتوبر.
ولأن مصر شهدت الكثير من التطوّرات والتقلبات السياسية فقد عرفت في تاريخها الحديث (5) أناشيد رسمية.. يعبر كل واحد عن مرحلة.. وهو الأمر الذي – ربما – لم يتوفر لأيّة دولة في العالم.
اختارت مصر أن تخاطب آذان العالم – أول مرة – بمقطوعة من الموسيقى البحتة.. في عهد الملكيّة، عرفت بـ (السلام الملكي المصري).. من تأليف الموسيقار الإيطالي الشهير “فيردى” مؤلف (أوبرا عايدة).. واستمر العمل بهذه المقطوعة حتي العام 1923، عندما ألف “مصطفى صادق الرافعي” نشيد (اسلمي يا مصر) ليصبح النشيد الوطني.
وجاءت ثورة يوليو 1952.. ولأنها (ثورة) فقد قامت بتغيير الكثير.. ومنه النشيد الوطني.. فتم اختيار (نشيد الحرية) – الذي كتبه الشاعر “كامل الشناوي” ولحنه الموسيقار “محمد عبد الوهاب” – وعنوانه (كنت في صمتك مرغم).. وقد استعمل وقتها كنشيد للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).. ويقول في بعض كلماته:
كنت في صمتك مرغم
كنت في حبك مكره
فتكلم وتألم وتعلم كيف تكره
عرضك الغالي على الظالم هان
ومضى العار إليه وإليك
أرضك الحرة غطاها الهوان
وطغى الظلم عليها وعليك
قدم الآجال قرباناً لعرضك
اجعل العمر سياجاً حول أرضك
غضبةً للعرض للأرض
لنا غضبةً تبعث فينا مجدنا
وإذا ما هتف الهول بنا
فليقل كل فتى.. إنى هنا
أنا يا مصر فتاك..
بدمي أحمي حماك ودمي ملء ثراك
أنا ومض وبريق أنا صخر.. أنا جمر
لفح أنفاسى حريق ودمي نار وثأر
وفي العام 1960 صدر قرار جمهوري يحمل الرقم (143) باتخاذ سلام وطني جديد عنوانه (والله زمان يا سلاحي) من كلمات الشاعر المصري الكبير “صلاح جاهين”.. كانت قد غنته “أم كلثوم” كنشيد، وانتشر بشكل واسع في 1956 خلال العدوان الثلاثى على مصر.. ولم تكن هناك كلمات مصاحبة للحن.. وخلال الفترة التى استخدم فيها لحن (والله زمان يا سلاحي) كسلام وطنى لمصر أجري عليه تعديلان: الأول بالقرار الجمهوري رقم (1854) لسنة 1974 بالاكتفاء بعزف الجزء الأول منه فقط، والثاني بالقرار الجمهوري رقم (1158) لسنة 1975 بالعودة إلى عزف السلام الجمهوري بالكامل كما كان منذ عام 1960.. وتقول كلماته:
اشتقت لك في كفاحي
والله زمان يا سلاحي
يا حرب والله زمان
انطق وقول أنا صاحي
زاحفة بترعد رعود
والله زمان ع الجنود
إللي بنصر الزمان
حالفة تروح لم تعود
شيلوا الحياة على الكفوف
هموا وضموا الصفوف
منكم من نار الميدان
ياما العدو راح يشوف
ياللي اتبنيت عندنا
يا مجدنا يا مجدنا
عمرك ماتبقى هوان
بشقانا و كدنـــا
الشعب جبال الشعب بحور
الشعب بيزحف زى النور
زلزال بيشق لهم فى قبور
بركان غضب بركان بيفور
أغنية شعبيّة تتحول لنشيد
وشهد العام 1979 – عقب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في (كامب ديفيد) – آخر تعديل للنشيد الوطني المصري.. إذ كانت مرحلة السلام الجديدة تحتاج ما يناسبها من الكلمات.. فكان أن تم اختيار ما كتبه (الشيخ يونس) – قديماً – من قوافي استلهم فيها ما ورد على لسان الزعيم التاريخي “مصطفي كامل” الذي قال في إحدى أشهر خطبه: (بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي.. لك حياتي ووجودي.. لك دمي.. لك عقلي ولساني.. لك لُبي وجناني.. فأنت أنت الحياة.. ولا حياة إلا بك يا مصر).. كتبها الشيخ بداية القرن المنصرم.. احتفاء بعودة الزعيم “سعد زغلول” من المنفى.. وكانت أغنية شعبية محببة.. غنتها (الست تودد) وهي مسجلة فى شركة (ميشيان) بالرقم (923).. كما غناها الأستاذ “محمد بهجت”.. بتلحين “سيد درويش” – الذي أكمل تلحينها لكنه مات قبل أن يسمعها مؤداة – ثم أعاد الموسيقار “محمد عبد الوهاب” توزيع العمل في العام 1979 ومنذ ذلك الحين أصبح النشيد الوطني الرسمي لمصر.. وتقول كلماته:
بلادي بلادي بلادي
لك حبي وفؤادي
مصر يا أم البلاد
أنت غايتي والمراد
وعلى كل العباد
كم لنيلك من أيادي
مصر يا أرض النعيم
فزت بالمجد القديم
مقصدي دفع الغريم
وعلى الله اعتمادي
مصر أنت أغلى درة
فوق جبين الدهر غرة
يا بلادي عيشي حرة
واسلمي رغم الأعادي
مصر أولادك كرام
أوفياء يرعوا الزمام
سوف نحظى بالمرام
باتحادهم واتحادي
بلادي بلادي بلادي
لك حبي وفؤادي
ويتم تم حالياً إنشاد الجزء الأول من النشيد فقط في المدارس و المناسبات الرسمية.