الأوطان الجديده تصنع ذاتها من خلال الوعي
حوار نوال
١- ماذا أخذت منك الغربة وماذا أضافت لك؟
فهمى للغربة لا ينحصر فقط فى البعد الجغرافى والمكانى لأن إحساس الغربة والإقصاء أيضاً قد يحدث للناس وهم داخل بلادهم التى نشأوا فيها لكن إذا حصرنا الحديث على المنفى والهجرة، يظل الحرمان من الأماكن الحميمة، الأهل والناس الأحباب هو الإحساس المسيطر ودافع الحنين الدائم والإشتياق. ربما كنت سأكون أسيرة تلك الأحاسيس من ناحية جوانبها السلبية المقيّدة لولا أنى دفعت بذاكرتى ومشاعرى بإتجاه خلق حياة جديدة ومتجددة، تتعاطى مع الأماكن والأوطان الجديدة وتصنع ذاتها بذاتها من خلال الوعى بماهية الوطن الجديد وماهية الذوات المتجددة ثم أن إستغراقى فى الإنتاج الغنائى والموسيقى دفع بتلك الحياة الجديدة قُدماً فكان أصل التوازن والإنطلاق. هنا فى البلاد البعيدة، بدأت مشروعى الإبداعى، فرقتى الموسيقية وحتى مسيرة تواصلى وتعاونى مع الكثير من المبدعين. صحيح أننى صرت بعيدة من المنابر فى السودان والناس هناك لكنى أحاول جُهدى أن أبنى جسور التواصل والحوار معهم عبر الوسائل الإلكترونية وإلتقاءهم فعلياً كلما عُدت نهاية كل عام.
٢- الحنين إلى الوطن إذن، هل إنعكس فى أغنياتك؟
الحنين هو نبض الذاكرة و ألق الروح، هو عذابات الخطى وحدائق المشاوير، لا مناص منه ما فتئت المشاعر تتشكل عبر الحياة من إرتباطنا بالأماكن وبالأزمنة التى تشكلنا بتجاربها وناسها وأحداثها. نعم، كان الحنين دافع بعض الأغنيات بيد أنه إنطلق من بؤرته إلى عوالم أكثر إتساعاً ورؤى فى محاولته بألا يكون باكياً متباكياً على الماضى وإنما صانعاً لوجودٍ جديد ومكتسباً حساً مختلفاً فى شوفه للأشياء.
٣- هل لك تجربة فى الشعر أم إكتفيتى بالغناء؟
لا أظننى أكتفى بمجالٍ واحد من المجالات الإبداعية ولا أدّعى أنى أمارس العديد منها بيد أنى أجرب هنا وهناك، أتذوق هذا وأعبّر عن نفسى بذاك وهكذا. الكتابة هى إحدى المجالات التى أحببتها منذ صغرى فكنت أكتب خواطرى، رحلات الطفولة وأحداث الحياة. إستمر حبى للكتابة وإتخذ أشكالاً مختلفة لكن فى كثير من الحالات كنت أكتب لنفسى بما فيها كتابة الشعر فما أطلعت عليها إلا القِلّة القليلة من حولى، ممن لهم الإهتمام فيما أكتب لأننى أظنها فقط محاولات ووسيلة تعبير فى حالةٍ نفسية محددة رغم إشادة الناس بها. بعض النصوص الشعرية تحولت إلى أغنيات وفى هذا المضمار لدى العديد منها.
٤- الأطفال فئة مظلومة. ماذا قدمتى لهم؟
أأسف حقاً أن كل مشاريع الأغنيات للأطفال التى كانت مع شعراء كتبوا أشعاراً جميلة لهم، لم تتم لكنى لا زلت ساعيةً لأن يتحقق ذلك. هذا على صعيد أغنياتى لكن من ناحية أخرى قمت بإدارة فعاليات للأطفال وإشتملت على غناء، موسيقى ورقص وتم تقديمها بمستوى عالى نال إعجاب وتشجيع الجمهور الكبيرين. الأطفال، إحتياجاتهم، ملكاتهم، قدراتهم ومهاراتهم، كل ذلك يشكل جانباً من همومى التى أفكر فيها كثيراً .. كثيراً جداً وأتمنى أن أقدر يوماً على تنفيذ المشاريع والأحلام الموجودة.
٥- إذن وفى ذات السياق، هل تظنين أن الفن يُورّث؟
أظنه مكتسب أكثر منه وراثةً جينية. أنا أعتقد فى وجود قدرات ومهارات داخل أى إنسان وهى البيئة المحيطة التى تساعد على تنشيط تلك القدرات وتطويرها لذا كان دائماً النداء والنقاشات حول إنتباه الأسر لأطفالهم وملكاتهم، تشجيعهم ورعاية تلك الملكات وكذلك دور المدارس فى توفير بيئة فنية إبداعية، تحفيز قدرات الأطفال وتقوية الثقة فى ممارسة الأنشطة الإبداعية. الموضوع بأسره مرتبطٌ بوجود دولة ترعى الإبداع منذ بدايات الحياة وتوفر سبله وممارسته.
٦- دعينا نعود لتجربتك الغنائية سواء كانت داخل السودان أو خارجه، هل هناك أفضلية؟
إن كنتى تقصدين الغناء مباشرةً للجمهور والتفاعل الحىّ، نعم لدى أفضلية فالغناء فى السودان متعةٌ لا تضاهيه متعة. مشروعى الإبداعى هو مشروعٌ واحد. أغنى بالسودانى مع فرقتى الأسترالية هنا بأستراليا وشاركنا فى الكثير من الفعاليات الثقافية على مر السنين وفى المنابر الموسيقية كذلك وهو نفس الغناء الذى أشارك به فى المنابر الثقافية فى السودان لكن الكلمة لها وقع خاص لدى المستمعين والمستمعات وبذا يأتى التفاعل أكثر حميميةً وتواصلاً وتعود مرجعية ذلك أيضاً لمكانة الشعر الكبيرة لدى السودانيين، إحتفائهم بالكلمة المعبرة والدلالات الجمالية فيه. من جانبٍ آخر، كانت لدى تجارب جميلة جداً بالغناء فى رحلاتى الفنية للجاليات السودانية ببعض الدول العربية، الإمارات، قطر وعمان كمثال إذ قوبلتُ بحفاوةٍ كبيرة وكان الجمهور ليس فقط متفاعلاً مع الغناء، بل ومشاركاً فيه.
٧- ذكرتى فرقتك الأسترالية. كيف يتفاعل الجمهور معك فى أستراليا خاصةً مع إختلاف اللغة والموسيقى؟
أظن أننا نجحنا فى خلق جمهور هنا، نتواصل معه ويتواصل معنا دون عوائق عبر الموسيقى، قصص الأغنيات والإيقاعات السودانية المختلفة. الناس هنا أيضاً من شتى بقاع الأرض ولهم ثقافاتهم المتنوعة لذا كانت الساحة لنا كلنا أقرب ما يكون إلى حوار الثقافات ومعرفة بعضنا البعض عبر الموسيقى والفنون. وجدتُ تفاعلاً كبيراً من الناس وإستمتاعاً بأغنياتنا السودانية. أذكر أن أحد السودانيين كان مرةً يقود سيارته التاكسى حين صعد معه راكبٌ أسترالى وبدأ تبادل أطراف الحديث. حين علم ذاك الراكب أن سائقه سودانى الأصل، أخبره أنه حضر أمسيات غنائية لفنانة تُدعى ياسمين وأنه أحب الموسيقى السودانية. كانت تلك صدفة جميلة والأجمل أن نعرف أن موسيقانا تجاوزت الحواجز لتصل لقلوب شعوب أخرى مؤثرةً فيهم.
٨- هل توافق ياسمين على النقد ومتى تتضايق منه؟
أنا لا أتضايق أبداً من النقد ونتحدث هنا عن النقد البنّاء، فهو مطلوبٌ وأساسى. النقد لا يعنى الحط من قيمة العمل بل يعنى تفحّصه، التفكير فيه، تحليله وتحليل الإحساس الناجم منه وعائد إليه. النقد يضيف للعمل الإبداعى بإستكشاف مواطن الجمال فيه والظاهر والباطن من أفكاره ومحمولاته الثقافية والجمالية. الأفكار و الرؤى المختلفة، تزيد من جودة وقوة الأعمال المستقبلية التى تهدف إلى إثارة خيال، مشاعر وأفكار المستمع ومن ثمّ تحفيز حوار إبداعى مع الكل.
٩- وأخيراً ماذا تقول ياسمين؟
شكراً جزيلاً نوال على الإهتمام والحديث وشكراً لإفراد المساحة فى الصحيفة. سعدت جداً وأتمنى أن نكون قد قدمنا ما يجده القراء والقارئات ممتعاً.